الفتوحَات
في عَهْـــدِ عمَرمعركة
اليرموك :-معركة
فحل :-فتح
دمشق :· في
البقاع· معركة
مرج الروم وفتح حمص :· فتح
قنسرين :· فتح
أجنادين :· فتح
بيت المقدس :· فتح
حمص ثانية :· فتح
الجزيرة :· فتح
سواحل الشام :· فتح
مصر :الجبهة
الشرقية-معركة
النمارق :- معركة
الجسر :- معركة
البويب :· فتح
المدائن :· فتح
جلولاء :· فتح
حلوان
· -فتح
تكريت والموصل :· فتح
ماسبذان :· فتح
الأهواز : الفتوحَات
في عَهْـــدِ عمَر يبدو
أن القيادة الإِسلامية في المدينة المنورة بعد أن انتهت من حروب الردة وقررت مواجهة
الدولتين العظميين آنذاك، كانت الخطة الموضوعة أن تفتح المعركة بكل ثقلها على جبهة،
وتقوم بدور الدفاع على الجبهة الثانية، وتعتمد على سرعة الحركة بالانتقال من جبهة
إلى أخرى حيث تبقى الدولتان في ذعر شديد وضعف معنوي كبير يحول دون التفاهم بينهما،
إذ تستمر المعركة قائمة على الجبهتين معاً حيث تخاف كل دولة على وجودها فلا تحرص أن
تتفق الواحدة مع الأخرى وإزالة ما كان بينهما من آثار الحرب.
ومع
انتهاء حروب الردة كانت الدولة الفارسية هي التي تشكل الخطر الأكبر بالنسبة إلى
المسلمين إذ كان الفرس يدعمون المرتدين، ويحاولون القضاء على المسلمين، ويمدون كل
متنبئ كذاب أو مرتد خارج على الحكم بكل ما يمكنهم من دعم، لذا كانت الخطة البدء
بالقتال على الجبهة الفارسية، لذا وافقت قيادة المدينة المنورة على طلب المثنى بن
حارثة الشيباني بالتحرش بالفرس ومنازلتهم. وعندما انتهى خالد بن الوليد من حروب
الردة طلبت منه القيادة التوجه إلى العراق لدعم المثنى بن حارثة، كما طلبت ذلك من
عياض بن غنم، وأعطته قوة يتحرك بها نحو شمالي العراق.
استطاع
خالد بن الوليد أن ينتصر على الفرس، وأن يجول بأرض العراق، وأن تجوس خيله منطقة
السواد وجزءاً من أرض الجزيرة، هذا بالإضافة إلى مناطق غربي الفرات، وهذا ما جعل
الفرس يشعرون بقوة الجيش الإِسلامي وإمكاناته القتالية والتعبوية - على عكس ما
كانوا يظنون - الأمر الذي جعلهم يستعدون الاستعداد الكبير للمعركة الحاسمة المقبلة،
وحشد الجنود لذلك. وفي هذا الوقت كانت القوة الإِسلامية على الجبهة الرومية تقوم
بالدفاع فقط حيث كان خالد بن سعيد بن العاص يرابط بقواته قرب مناطق سيطرة الروم
والقبائل العربية المتنصّرة المتحالفة مع الروم. ثم جهز الخليفة الصديق الجيوش
وأرسلها إلى الشام - كما رأينا - إلا أن الروم كانوا يستعدون لذلك، ويتوقعون حرباً
عامة شاملة، لذا فقد جمعوا أعداداً كبيرة وبعثوها باتجاه الجيوش الإِسلامية
الأربعة، كما نقل هرقل مقر قيادته إلى حمص لتكون على مقربة من ساحة المعركة، ولما
رأى المسلمون ذلك طلبوا المدد من المدينة والدعم، وكان على القيادة الإِسلامية أن
تنقل المعركة الرئيسية من العراق إلى الشام إذ كان الفرس في حالة من الضعف بعد
الهزيمة التي منوا بها، وهم بحاجةٍ إلى مدة للاستعداد والتفاهم على الحكم بعد
الخلاف الواقع بينهم، لذا طلب الخليفة من خالد بن الوليد أن ينتقل بمن معه من الجند
الذين كانوا معه في نجد والذين جاءوه دعماً من المدينة واليمن إلى الشام لدعم
المسلمين هناك.
انتقل
خالد بن الوليد إلى الشام وجرت معركة اليرموك بين الروم والمسلمين، وكانت معركة
حاسمة، ولم تبدأ حتى كانت الخلافة قد آلت إلى عمر بن الخطاب، وبعد انتهاء المعركة
كان استعداد الفرس قد تم، واتفاقهم قد حصل بعد اختلاف، وقرروا تصعيد القتال ضد
المسلمين، الأمر الذي جعل القيادة الإِسلامية في المدينة تطلب من القيادة العسكرية
في الشام إعادة قسم من جند العراق بإمرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى العراق، هذا
بالإضافة إلى إعلان النفير في جزيرة العرب للسير إلى العراق ودعم قوة المسلمين هناك
وبدأت الامدادات تصل، قوة إثر أخرى إلى العراق. أما في الشام فقد تمّ طرد الروم
وإنهاء الوجود البيزنطي فيها بعد عددٍ من المعارك، وهذا ما نلاحظه في خلافة عمر بن
الخطاب رضي الله عنه. وبدأت المعارك في العراق ثم انتقلت إلى فارس حتى قضي على
الدولة الفارسية نهائياً، ولم ينته عهد الفاروق بعد. وبانتهاء المقاومة على الجبهة
الشرقية عاد القتال إلى الجبهة الغربية، إذا انتقل القتال إلى مصر وشمالي إفريقية
وجزر البحر المتوسط، واستمر ذلك في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي
الله عنه.
معركة
اليرموك : تولى
عمر بن الخطاب الخلافة في بداية القتال العنيف على الجبهة الغربية، إذ كان المسلمون
قد تجمعوا في اليرموك أمام تحشدات الروم الهائلة.
كان
تجمع المسلمين في المنطقة الغربية من درعا اليوم، وقد أخطأ كثير من المؤرخين،
فجعلوا نهر اليرموك المنطقة الفاصلة بين المسلمين والروم، ومن يجول في تلك البقعة
يدرك مباشرة أنه لا يمكن لهذا الوادي السحيق أن يكون ميداناً لمعركة أو تكون جنباته
ساحة لها، هذا بالإضافة إلى أن الخليفة الصديق كان قد طلب من القيادة العسكرية في
بلاد الشام أن يكون تجمع جندها في مكان يسهل معه الاتصال مع المدينة لإمكانية وصول
الإِمدادات وسهولة الاتصال، ولو قطع المسلمون الوادي قبل احتدام المعركة وانتقلوا
منه إلى الجهة الثانية وبصعوبة كبيرة لما أمكن وصول الامدادات إليهم، ولما أمكن
الاتصال مع المدينة بعد نشوب الحرب، فكيف بالانتقال والحركة السريعة أثناء القتال
كما يحلوا لبعض المؤرخين أن يخططوا ذلك، لهذا كله فقد جعل المسلمون مؤخرة جندهم إلى
الشمال الغربي من درعا، لتكون درعا طريقاً لوصول الدعم إليها والاتصال مع المدينة،
حيث يمكن في هذا المكان قطع الوادي بسهولة. هذا مع العلم أن خالد بن الوليد قد
انتقل إلى اليرموك من بصرى فيكون طريقه عن درعا أو إلى الشمال قليلاً منها. وتكون
معركة اليرموك قد وقعت على جانبي أحد روافد اليرموك وهي إما (الرقاد) أو (العلق)،
ويكون عمر بن العاص الذي كان على ميمنة المسلمين إلى الشمال، ويزيد بن أبي سفيان
الذي كان على الميسرة في الجنوب، على مقربة من نهر اليرموك وأبو عبيدة
بينهما.
وخرج
المسلمون على راياتهم وعلى الميمنة معاذ بن جبل وعلى الميسرة نفاثة ابن أسامة
الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو
المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه، ولما أقبلت الروم في خيلائها وفخرها
قد سدت أقطار تلك البقعة سهلها ووعرها كأنهم غمامة سوداء يصيحون بأصوات مرتفعة،
ورهبانهم يتلون الانجيل، ويحثونهم على القتال، وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش،
فساق بفرسه إلى أبي عبيدة فقال له : إني مشير بأمر فقال : قل ما أمرك الله أسمع لك
وأطيع. فقال له خالد : إن هؤلاء القوم لا بدّ لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها،
وإني اخشى على الميمنة والميسرة، وقد رأيت أن افرق الخيل فرقتين وأجعلها وراء
الميمنة والميسرة حتى إذا صدّوهم كانوا لهم ردءاً فنأتيهم من ورائهم. فقال له : نعم
ما رأيت. فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة، وجعل قيس بن هبيرة في الخيل
الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله حتى اذا رآه المنهزم
استحى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد أحد العشرة
رضي الله عنهم. وساق خالد إلى النساء أن يكنّ من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف
وغيرها، فقال لهن : من رأيتموه مولياً فاقتلنه. ثم رجع إلى موقفه رضي الله
عنه.
ولما
تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة المسلمين فقال : عباد الله انصروا
الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر
ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم
بالقتال، واشرعوا الرماح، واستتروا، والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى
آمركم إن شاء الله وخرج معاذ بن جبل(1)
على الناس فجعل يذكرهم ويقول : يا أهل القرآن والكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة
الله لا تنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا
الصادق المصدق، ألم تسمعوا لقول الله تعالى "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ..." الآية، فاستحيوا -
رحمكم الله - من ربكم أن يراكم فراراً من عدوكم، وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من
دونه ولا عز بغيره.
______________________
(1) معاذ
بن جبل بن عمرو بن أوس الانصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن : كان عمره يوم هجرة
المصطفى عشرين عاماً، أسلم وهو فتى، وآخى رسول الله بينه وبين جعفر بن أبي طالب،
شهد العقبة الثانية، ثم حضر المشاهد كلها مع رسول الله، كان عالماً بالحلال
والحرام، أرسله رسول الله إلى اليمن مرشداً، خرج مجاهداً إلى الشام، كان مع أبي
عبيدة، واستخلفه عندما أصيب، وأقر ذلك عمر، ولكنه توفي في ذلك العام 18هـ، ولم
ينجب.
وقال
عمرو بن العاص : يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، واشرعوا الرماح،
فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد،
فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالاحسان إحساناً - لقد سمعت أن
المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً(1)
وقصراً وقصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا
تطاير أولاد الحجل.
_________________
(1) الكفر
: المزرعة.
وقال
أبو سفيان : يا معشر المسلمين أنتم العرب، وقد أحجمتم في دار العجم منقطعين عن
الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وامداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بازاء عدو كثير
عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم
من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن
المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة وأن الأرض وراءكم، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة
المسلمين صحارى وبراري، ليس لأحد فيها معقل ولا معدل إلا الصبر ورجاء ما وعد الله
فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون. ثم ذهب إلى النساء
فوصّاهن، ثم عاد فنادى : يا معشر أهل الإِسلام حضر ما ترون، فهذا رسول والجنة
أمامكم، والشيطان والنار خلفكم. ثم سار إلى موقفه رحمه الله.
وقد
وعظ الناس أبو هريرة أيضاً فجعل يقول : سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم عز وجل
في جنات النعيم. ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا
وإن للصابرين فضلهم.
ولما
تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن
هشام، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى معسكر الروم، ونادوا : إنما نريد أميركم
لنجتمع له، فأذن لهم في الدخول، وإذا هو جالس في خيمة من حرير. فقال الصحابة : لا
نستحل دخولها، فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا : لا نجلس على هذه، فجلس معهم حيث
أحبوا ... وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يقبلون الاستهانة بشيء من حرمات
الله مهما قل، ومع أنه ليس فيه اللباس إلا أنهم رغبوا أن يأخذوا أنفسهم بالشدة،
ورفض هذه الأمور وأمثالها، الأمر الذي جعلهم يعظمون في عين أعدائهم فيسايروهم،
ويرتفعون في أنفسهم. وهذا ما وضعهم حيث وضعوا هم أنفسهم، وتميزوا بشخصيتهم فكان لهم
ما تمنوا.
وعرض
الصحابة على الاعداء : الإِسلام، أو الجزية، أو السيف، وكان من تعنت الروم ان كان
لابدّ من القتال.
وطلب
ماهان خالداً ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم، فقال له ماهان: إنا
قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم
عشرة دنانير وكسوة وطعاماً وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم
بمثلها، فقال خالد : إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء،
وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان : هذا والله
ما كنا نحدث به عن العرب، وهكذا كلمة واحدة بعزة النفس تميت معنويات
الخصم.
تقدم
خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مجنبتي القلب -أشار لهما أن
ينشبا القتال، وهكذا بدأت المعركة. وكان ذلك في أوائل شهر رجب من السنة الثالثة
عشرة، وحملت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين فمالوا إلى جهة القلب، وكان معاذ بن
جبل رضي الله عنه يقول : اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل السكينة علينا،
وألزمنا حكمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء. وانكشفت زبيد، ثم تنادوا
فتراجعوا، وحملوا على الروم وأشغلوهم عن اتباع من انكشف، وردت النساء من فرّ، فرجع
الناس إلى مواقعهم.
وقال
عكرمة بن أبي جهل : قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم ؟
ثم نادى من يبايع على الموت ؟ فبايعه ضرار به الأزور، والحارث بن هشام عم عكرمة
وعدد من المسلمين ووصل عددهم إلى أربعمائة رجل من أعيان الناس، وقاتلوا أمام فسطاط
خالد حتى أثبتوا جميعاً جرحى، وقتل منهم عدد كبير منهم ضرار بن الأزور. ويذكر أنهم
استسقوا ماء وهم جرحى فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر،
فقال : ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال : ادفعها إليه، فتدافعوها
كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعاً، ولم يشربها أحد
منهم.
ثم
حمل خالد بن الوليد بالخيل على ميسرة الروم التي حملت على ميمنة المسلمين، فأزالوهم
إلى القلب، وقتل المسلمون في حملتهم هذه ستة آلاف من الروم، ثم حمل بمائة فارس على
ما يقرب من مائة ألف من الروم فانهزموا أمامهم بإذن الله، وتبعهم ... ولما عاد
المسلمون من حملتهم جاء البريد - الذي ذكرنا - يحمل وفاة الصديق وبيعة عمر وتولية
أبي عبيدة إمرة القتال.
وخرج
من بين الروم أحد أمرائهم الكبار وهو (جرجه) واستدعى خالد ابن الوليد إلى بين
الصفوف حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجة : يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني،
فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله
على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم ؟ قال : لا قال
: فبم سميت سيف الله ؟ قال : إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه
جميعاً، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم
إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه، فقال لي : أنت سيف من سيوف الله
سلّه الله على المشركين. ودعا لي النصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا أشد المسلمين على
المشركين.
فقال
جرجه : يا خالد إلى ما تدعون ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده
ورسوله والإِقرار بما جاء به من عند الله عز وجل : قال : فمن لم يجبكم ؟ قال :
فالجزية ونمنعهم. قال : فإن لم يعطها ؟ قال : نؤذنه بالحرب ثم نقاتله. قال : فما
منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟ قال : منزلتنا واحدة فيما افترض الله
علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا. قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل
ما لكم من الأجر والذخر قال : نعم وأفضل. قال : وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ فقال
خالد : إنا قبلنا هذا الأمر عنه وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار
السماء، ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن
يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج،
فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقةٍ ونيةٍ كان أفضل منا، فقال جرجه : بالله لقد
صدقتني ولم تخادعني ؟ قال : تالله لقد صدقتك وأن الله ولي ما سألت عنه. فعند ذلك
قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال : علمني الإِسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فسن
عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين ... فحملت الروم عند ذلك على المسلمين حملة
أزالوا بها المسلمين عن مواقعهم إلى المدافعين أمثال عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث
بن هشام.
وحمل
خالد وجرجه بالمسلمين على الروم حتى هزموهم بإذن الله ... وقتل جرجه رحمه الله ولم
يصل سوى هاتين الركعتين مع خالد، وصلى المسلمون يومذاك صلاة الظهر والعصر إيماء،
وأخّروا صلاة العشاءين. وفرّ الروم ليلاً إلى الواقوصة، وسقط الذين ربطوا أنفسهم
بالسلاسل.
وكان
ممن شهد اليرموك الزبير بن العوام رضي الله عنه، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان
من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا : ألا تحمل
فنحمل معك ؟ فقال : إنكم لا تثبتون، فقالوا : بلى فحمل وحملوا، فلما واجهوا صفوف
الروم أحجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه.
ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى، جرح يومئذ جرحين في كتفه. وقتل
عكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث بن هشام، وابنه عمرو بن عكرمة، وسلمة بن هشام، وعمرو
بن سعيد، وأبان بن سعيد، وهشام بن العاص، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي. وانهزم
يومذاك عمرو بن العاص في أربعة حتى وصلوا إلى النساء فزجرنهم فعادوا. وانكشف شرحبيل
بن حسنة وأصحابه فتراجعوا فوعظهم الأمير فرجعوا. وثبت يزيد بن أبي سفيان وقاتل
قتالاً شديداً، وذلك أن أباه مرّ به فقال له : يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه
ليس رحل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفاً بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين
ولّوا أمور المسلمين ؟ أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني ولا
يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الإِسلام
منك. فقال : افعل إن شاء الله، فقاتل يومئذ قتالاً شديداً وكان من ناحية القلب رضي
الله عنه.
وروى
سعيد بن المسيب عن أبيه قال : هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ
العسكر يقول : يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال : فنظرنا
فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد.
وروي
أن الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية، فخرج يومئذٍ رجل من الروم، فقال: من
يبارز ؟ فخرج إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين، فقال للرومي : خذها وأنا الغلام
الايادي، فقال الرومي: أكثر الله في قومك مثلك أما والله لو أنك من قومي لآزرت
الروم، فأما الآن فلا أعينهم.
وروي
أن هرقل قال وهو على إنطاكية لما قدمت منهزمة الروم : ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم
الذين يقاتلونكم أليسوا بشراً مثلكم ؟ قالوا : بلى. قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا
: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن. قال : فما بالكم تنهزمون ؟ قال شيخ من
عظمائهم : من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون
بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر، ونزني،
ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في
الأرض. فقال : أنت صدقتني.
وروي
أن أحد أمراء الروم وهو (القُبُقلار) بعث رجلاً عربياً من قضاعة عيناً له بين
المسلمين، وقال له : ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة، ثم ائتني بخبرهم.
قال : فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر، فأقام فيهم يوماً وليلة، ثم أتاه فقال له :
ما وراءك ؟ قال : بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو
زنى رجم، لإِقامة الحق فيهم. فقال له القبقلار : لئن صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء
هؤلاء على ظهرها، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم،
ولا ينصرهم علي.
وفقد
عدد من المسلمين عيونهم في يوم اليرموك منهم : أبو سفيان وكان قد فقده عينه الأولى
يوم حنين والثانية في اليرموك، وعاش بعدها ضريراً، والمغيرة بن شعبة، وهاشم بن عتبة
بن أبي وقاص، والأشعث بن قيس، وعمرو ابن معد يكرب، وقيس بن المكشوح
وغيرهم.
وبعد
معركة اليرموك التي فر منها الروم، وتابعهم المسلمون صالح أهل دمشق وأهل حمص، إذ
خلت أكثر هذه المناطق من الجنود الروم، كما أن هرقل قد انتقل من مقره في حمص إلى
إنطاكية التي اتخذها قاعدة له يسير فيها الجند، وتصدر عنه
الأوامر.
وانتقل
أبو عبيدة بالجيش من اليرموك إلى مرج الصفر ببقية الجيش الذي لم يلاحق الروم، وفي
المرج وصل إليه الخبر بأن الروم قد تجمعوا بفحل بغور الأردن، فتوقف لا يدري بأي
الأمرين يبدأ، أبدمشق ويتركزّ المسلمون فيها أم يعود إلى فحل ؟ فكتب إلى أمير
المؤمنين يصف له الموقف، ويستشيره بالأمر، وجاء الأمر من أمير المؤمنين أن ابدأ
بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، فانهد لها، وأشغلوا عنكم أهل فحل بخيول تكون
تلقاءهم، فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب، وإن فتحت دمشق قبلها فسر أنت ومن
معك واستخلف على دمشق، فإذا فتح الله عليكم فحل فسر أنت وخالد إلى حمص واترك عمراً
و شرحبيل على الأردن وفلسطين.
معركة
فحل :
بعث
أبو عبيدة عمارة بن مُخِشَ إلى فحل، فوجد أن الروم يقاربون ثمانين ألفاً، وقد طوفوا
المياه في المنطقة إلا أن المسلمين استطاعوا بإذن الله إحراز النصر ودخول (فحل) و
(بيسان)، وذلك قبل فتح دمشق.
فتح
دمشق :
أرسل
أبو عبيدة أبا الأعور السلمي إلى طبريا ليفتحها وليكون ردءاً للمسلمين المتجهين إلى
دمشق، وحائلاً دون وصول إمدادات رومية إلى دمشق التي نقض أهلها الصلح بعد أن رأوا
أن الروم لا تزال لهم قوة في المناطق الجنوبية، وكذلك أهل حمص، ويبدو أن المناطق
الداخلية من بلاد الشام كان تقدم المسلمين فيها سهلاً وذلك لقلة السكان إذا
استثنينا المدن، وسهولة حركة الجند، ووجود الحياة القبلية التي يمكن أن يكون لها
أثر في الصلح أو الخوف ومغادرة الديار على حين كانت المناطق الساحلية في المنطقة
الجنوبية كثيرة السكان لخصوبتها ومنها مدينة القدس ذات الطابع الديني، والدفاع عنها
يكون كبيراً لذلك السبب، والمناطق الشمالية من الجهات الساحلية جبلية وعرة المسالك،
إضافة إلى قسوة السكان لطبيعة بلادهم الجبلية، وكان فيها المردة والجراجمة، وهم من
قدامى السكان، وبعضهم من بقايا العمالقة، ولهم ارتباطات كبيرة بالروم
أيضاً.
سار
أبو عبيدة باتجاه دمشق، وقد جعل خالد بن الوليد في القلب، وسار هو في الميسرة،
وعمرو بن العاص في الميمنة، وكان عياض بن غنم على الخيل، وشرحبيل بن حسنة على
الرجالة. وفي الوقت نفسه بعث ذا الكلاع في فرقة لترابط بين دمشق وحمص لتحول دون
وصول الامدادات إلى دمشق من جهة الشمال، كما جعل أبا الدرداء في فرقة أخرى لتكون في
برزة على مقربة من دمشق ردءاً للجيش الإِسلامي الذي يحاصر
المدينة.
وبعث
أبو عبيدة طليعة تتألف من ثلاثة عناصر أحدهم وأميرهم أبو أمامة الباهلي الذي يقول :
فسرت فلما كنا ببعض الطريق، أمرت أحد من معي أن يكمن،
وبعد مسافة أمرت الآخر فكمن هناك وسرت أنا وحدي حتى باب البلد، وهو مغلق في الليل
وليس هناك أحد، فنزلت وغرزت رمحي بالأرض ونزعت لجام فرسي، وعلقت عليه مخلاته ونمت،
فلما أصبح الصباح قمت فتوضأت وصليت الفجر، فإذا باب المدينة بقعقع فلما فتح حملت
على البواب فطعنته بالرمح فقتلته، ثم رجعت والطلب ورائي ، فلما انتهينا إلى الرجل
الذي في الطريق من أصحابي ظنوا أنه كمين فرجعوا عني، ثم سرنا حتى أخذنا الآخر وجئت
إلى أبي عبيدة فأخبرته بما رأيت، فأقام أبو عبيدة ينتظر كتاب عمر فيما يعتمده من
أمر دمشق، فجاءه الكتاب يأمره بالمسير إليها، فساروا إليها حتى أحاطوا بها، واستخلف
أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب في خيل هناك.
ولا
شك فإن الإيمان وحده هو الذي كان سبب نصر المسلمين في معاركهم التي خاضوها ضد
أعدائهم على الرغم من قلتهم وقلة إمكاناتهم، وبالإِيمان نفسه استطاع هذا الصحابي
الجليل أبو أمامة أن ينطلق منفرداً إلى باب المدينة دمشق، وأن يبيت ليلة ونفسه
مطمئنة وفكره مرتاحاً فيما سيكون وأن يصبح فيتوضأ ويصلي الفجر، ويقتل البواب وينطلق
... وهذا ما أرعب الروم، وأخاف السكان، وأضعف المعنويات إذ شعروا أن الغارات قد
بدأت تصل إليهم، وأن الفرد من المسلمين وحده يمكن أن يكون غارة، يغير ويقتل وينصرف
ولا يبالي.
انطلق
الجيش الإسلامي نحو دمشق، فدخل الغوطة واحتلها كي لا يأمل أهل دمشق بمساعدات
وتموينات منها، ووصل إلى دمشق من ناحية الشرق، فتوزع يحاصرها حسب التشكيل الذي يسير
عليه، فتوقف خالد، وهو على قلب الجيش، على الباب الشرقي وحتى باب كيسان، وسارت
الميسرة على جنوب دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير وإلى باب كيسان،
ونزل أبو عبيدة على باب الجابية من جهة الغرب وحتى الباب الصغير. وسارت الميمنة على
شمالي دمشق فنزل عمرو بن العاص على باب توما، ونزل شرحبيل ابن حسنة على باب
الفراديس وباب السلام.
استمر
حصار دمشق عدة أشهر، وشعر أهل دمشق أن الامدادات لا يمكن أن تصل إليهم، وجاء وقت
البرد، وكان قاسياً، فصعب القتال، وفي إحدى الليالي ولد لبطريق المدينة مولود،
فأقام وليمته للجند والناس، فباتوا ليلتهم تلك سكارى، وشعر خالد بن الوليد بذلك
نتيجة ضعف قتال الذين فوق الأسوار وقلة حركة الناس عامة، ونتيجة المعلومات التي
وصلت إليه من العيون، وهو على عين يقظة لا ينام إلا قليلاً ولا ينيم، وكانت عنده
سلالم مهيأة. فلما أحس بذلك استدعى بعض صنايد القوم أمثال القعقاع بن عمرو، ومذعور
بن عدي، وأحضر جنده عند الباب، وقال لهم : إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فارقوا
إلينا. ثم إنه قطع الخندق وهو وأصحابه سباحة وقد وضعوا قرباً في أعناقهم تساعدهم
على السباحة. إذ كانت الخنادق تحيط بدمشق وهي مليئة بالماء عدا الجهة الشمالية حيث
كان نهر بردى هناك يعد بمثابة الخندق، وكان السور على ضفافه يتعرج حسب المجرى على
حين كانت الأسوار في الجهات الأخرى تسير بشكل مستقيم، وأثبت خالد وصحبه السلالم على
شرفات السور، وصعدوا عليها، فلما صاروا أعلى السور رفعوا أصواتهم بالتكبير لإرهاب
العدو ونزلوا على حراس الباب فقتلوهم، وفتحوا الباب عنوة، وقد طعنوا مغاليقه،
واندفع الجند من الباب إلى الداخل.
وانطلق
خالد بن الوليد مع جنده داخل المدينة يعمل في من وقف في وجهه قتلاً، ويتجه نحو
مركزها، وأسرع وجهاؤها نحو بقية الأبواب وخاصة نحو الغرب حيث باب الجابية خوفاً من
أن ينالهم القتل، فيعلنون الاستسلام وفتح مدينتهم، وطلب الصلح، ودخل بقية قادة
المسلمين وجيوشهم من الأبواب الأخرى صلحاً يتجهون نحو داخل المدينة والتقوا مع
مركزها، خالد يعمل السيف، وهم في السلم، فقالوا له : يا أبا سليمان إن القوم قد
استسلموا، وطلبوا الصلح، وفتحوا الباب لنا، ودخلنا سلماً، فقال لهم : وإنما دخلت
أنا ومن معي المدينة عنوة، ولم يزل يعمل السيف حتى طلب منه أبو عبيدة الكف عن ذلك.
والتقى الأمراء عند المقسلاط قرب سوق النحاسين اليوم (المناخلية). وكان فتح دمشق في
رجب من السنة الرابعة عشر أي بعد معركة اليرموك بسنة كاملة. وقد استمر حصارها عدة
أشهر.
وبعد
فتح دمشق طلب أمير المؤمنين من أبي عبيدة أن يسير بعض جند العراق الذي جاءوا منها
مع خالد بن الوليد إلى العراق مرة ثانية ليدعموا الفاتحين فيها، فسيرهم بإمرة هاشم
بن عتبة بن أبي وقاص.
وولى
أبو عبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان، وسيّر شرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وعمرو بن
العاص إلى فلسطين، أي سار كل من الأمراء إلى المنطقة التي كانت وجهته الأولى
إليها.
بعث
يزيد بن أبي سفيان أمير دمشق دحية بن خليفة إلى تدمر، كما بعث أبا الزهراء القشيري
إلى حوران فصالح أهلها، إذ كان طريق المسلمين إلى دمشق عن طريق مرج الصفرّ ومن جهة
الغرب من حوران لذا فقد بقيت حوران دون مصالحة.
في
البقاع :
وأرسل
أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى البقاع، وعندما وصل إلى تلك الجهة جاءت حملة من الروم
عن طريق ما يعرف اليوم باسم ظهر البيدر تحت إمرة سنان، واستطاع قتل عدد من المسلمين
عند (عين ميسون) وعرفت تلك العين بعد ذلك باسم عين الشهداء. ثم تابع خالد سيره في
البقاع نحو الشمال فصالحه أهل بعلبك.
معركة
مرج الروم وفتح حمص : وكان
أبو عبيدة قد اتجه إلى الشمال أيضاً فنزل على ذي الطلاع الذي كان في آخر ثنية
العقاب وشرف على (القطيفة) اليوم، وإذ وصل إليه خبر ارسال هرقل بطريقاً من قبله
يدعى (توذرا) إلى مرج الروم (منطقة الصبورة اليوم) لينزل دمشق فسار إليه أبو عبيدة
وخرج إلى( توذرا) وجاء خالد من الخلف، وبدأ القتال فلم ينج من الروم إلا من شرد،
وقتل خالد (توذرا)، وكان أبو عبيدة قد التقى ببطريق آخر يدعى (شنس) نزل بجانبه
فتنازلا وقتل أبو عبيدة شنس أيضاً، وفر أتباعه باتجاه حمص فلاحقهم أبو عبيدة، ولما
انتهى خالد من (توذرا) تبع أبا عبيدة نحو حمص فحاصراها معاً، وطال الحصار، وجاء فصل
الشتاء، وكان شديد البرد، وصبر الصحابة صبراً عظيماً، ولما انسلخ الفصل البارد اشتد
الحصار، وأجبر الأهالي المسؤولين على الاستسلام، وطلبوا الصلح حسب الصلح الذي صالح
عليه أهل دمشق على نصف المنازل، وضرب الخراج على الأرض، وأخذ الجزية على الرقاب حسب
الغنى والفقر. وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
مع عبد الله بن مسعود ... كما طلب منه الرأي بشأن هرقل ... فجاءه الجواب بالبقاء في
حمص بالنسبة إلى أبي عبيدة.
فتح
قنسرين : وأرسل
أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين فقاتل أهلها بعد حصار واعتذار بعد هزيمة أولى،
وإثر ذلك دخل المدينة عنوة، وذلك في السنة الخامسة عشرة من هجرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم. هذا التقدم السريع في المناطق الداخلية كان لا يوازيه تقدم آخر في
المناطق الساحلية للأسباب التي سبق أن ذكرناها، الأمر الذي اقتضى أن يقوم عمرو بن
العاص الذي ولي أمر فلسطين بحرب عنيفة في مناطقه الجنوبية حتى يستطيع المسلمون أن
يتقدموا في الساحل والداخل بصورة متوازية، واقتضى الأمر من القيادة أن توجه حملات
من الداخل إلى الساحل لتقطع المناطق الساحلية إلى وحدات، ولتقلل الضغط أمام
الفاتحين المسلمين المتقدمين من الجنوب، وليضعف معنويات المتعنتين من الروم، وليقلل
أملهم في إمكانية التشبث بالأرض والبقاء في تلك الجهات، لذا أمر أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان بالتحرك نحو قيسارية وتولي أمورها وكتب إليه : أما
بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا فنعم المولى ونعم النصير. فسار
إليها فحاصرها، وقاتل أهلها عدة مرات وفي النهاية انتصر عليهم وقتل منهم ما يقرب من
ثمانين ألفاً، وبهذا الفتح انقطع رجاء الروم في النصر ... ثم كتب عمر إلى عمرو بن
العاص أن يسير إلى ايلياء (بيت المقدس).
فتح
أجنادين : سار
عمرو بن العاص إلى أجنادين وهي موقع قريب من الفالوجة ومكان عبور فلسطين من الجنوب،
إذا رابط فيها الأرطبون، كما كانت قوة للروم في الرملة، وأخرى في بيت المقدس، وكانت
إذا جاءت قوات داعمة إلى عمرو أرسل بها تارة إلى الرملة وأخرى إلى بيت المقدس
ليشاغلوا الروم في تلك الجهات خوفاً من دعمهم للأرطبون في أجنادين. وطال تأخر الفتح
في أجنادين، وسارت الرسل بين الطرفين، ولم يشف أحدهما غليل عمرو، فسار بنفسه باسم
رسول، ودخل على الأرطبون، وجرى الحديث بينهما، استنتج الأرطبون على أن هذا الرسول
إنما هو عمرو بالذات أو أنه شخص ذو قيمة وأثر بين المسلمين، وقال في نفسه : ما كنت
لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حرساً فسارّه وأمره بالفتك به فقال : اذهب
فقم في مكان كذا وكذا، فإذا مرَّ بك فاقتله، ففطن عمرو بن العاص فقال للأرطبون :
أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب
لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره. وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما
رأيت. فقال الأرطبون : نعم فاذهب فائتني بهم، ودعا رجلاً فسارّه فقال : اذهب إلى
فلان فردّه. وقام عمرو ابن العاص فرجع إلى جيشه، ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن
العاص نفسه فقال : خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال
: لله در عمرو. وحدث قتال عظيم في أجنادين كقتال اليرموك .. ثم دخل المسلمون
أجنادين، وتقدموا نحو بيت المقدس.
فتح
بيت المقدس : لقي
المسلمون عناداً قوياً من الروم الأمر الذي جعل الجيوش الإِسلامية تجتمع مرة أخرى،
وولى أبو عبيدة على دمشق سعيد بن زيد، وسارت الجيوش لتحاصر بيت المقدس وتضيق على من
فيها حتى أجابوا إلى الصلح بشرط أن يقدم عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أرسل
أبو عبيدة إلى عمر يخبره الخبر، واستشار عمر الصحابة فأشار علي بن أبي طالب عليه
بالمسير ورأى عثمان بن عفان غير ذلك، فأخذ عمر برأي علي وولاّه على المدينة وسار
إلى الشام وعلى مقدمته العباس بن عبد المطلب، واستقبله في الجابية أمراء المسلمين
أبو عبيدة وخالد ويزيد، ومن الجابية سار عمر إلى بيت المقدس، ثم صالح النصارى،
واشترط عليهم إخراج الروم خلال ثلاثة أيام، ثم دخل المسجد من حيث دخل رسول الله يوم
الإسراء وصلى فيه مع المسلمين، ثم سار إلى الصخرة وجعل المسجد في قبلة بيت المقدس.
وبعد فتح بيت المقدس رجع كل أمير إلى مكانه.
فتح
حمص ثانية : وما
أن وصل أبو عبيدة إلى مركزه في حمص حتى حاصره الروم، وقد استنفروا معهم أهل
الجزيرة، وكان أبو عبيدة قد استشار المسلمين في التحصن بالمدينة أو قتال الروم
خارجها، فأشاروا عليه بالتحصن إلا خالد ابن الوليد الذي كان قد استقدمه من قنسرين
لمساعدته ودعمه، فقد رأى قتال الأعداء خارج البناء، إلا أن أبا عبيدة رأى ما رآه
بقية المسلمين، وكتب أبو عبيدة إلى أمير المؤمنين يعلمه الخبر. وكانت بقية مدن
الشام كل منها مشغول بما فيه، ولو جاءته نجدة من أية مدينة فلربما اختل النظام في
بلاد الشام كافة. وبخاصة أن هناك جيوب رومية كثيرة، ويختلط السكان، وكتب عمر ابن
الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص في العراق يطلب منه أن يسيّر مدداً بإمرة القعقاع بن
عمرو إلى حمص، وأن يبعث بعثاً بإمرة عياض بن غنم إلى بلاد الجزيرة الذين مالؤوا
الروم. خرج من الكوفة جيشان أولاهما اتجه نحو حمص وقوامه أربعة آلاف مقاتل بقيادة
القعقاع بن عمرو، والآخر اتجه نحو الجزيرة بقيادة عياض بن غنم، وفي الوقت نفسه خرج
عمر بن الخطاب نفسه من المدينة لينصر أبا عبيدة. علم أهل الجزيرة أن الجيش
الإِسلامي قد طرق بلادهم فتركوا حمص ورجعوا إلى أرضهم. وأخبر الروم أن أمير
المؤمنين قد سار إلى الشام ليدعم حمص فانهارت معنوياتهم وضعف أمرهم، وأشار خالد على
أبي عبيدة بأن يبرز لهم ليقاتلهم فوافق، فنصر الله عباده المؤمنين على اعدائهم ولم
يصل بعد القعقاع إذ وصل إلى حمص بعد انتصار المؤمنين بثلاثة أيام، كما أن عمر بن
الخطاب كان قد وصل إلى الجابية وجاءه خبر المعركة وهو فيها، وعدّ المدد بين
المقاتلين ونال نصيبه من الغنائم. كما صالح أهل حلب ومنبج
وإنطاكية.
فتح
الجزيرة : أما
عياض بن غنم فقد وصل إلى الجزيرة وصالح أهل (حران) و (الرها) و (الرقة)، وبعث أبا
موسى الأشعري إلى (نصيبين)، وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى (رأس العين) وسار هو إلى
(دارا)(1)
ففتحت هذه المدن، كما أرسل عثمان بن أبي العاص إلى أرمينيا فحدث قتال ثم صالح عثمان
أهلالبلاد على جزية مقدارها دينار على كل أهل بيت.
____________________
(1) دارا
: مكان دير الزور اليوم، وهي قرب قرقيساء التي هي مكان البصيرة عند التقاء نهر
الخابور بنهر الفرات.
فتح
سواحل الشام : وفتحت
(قرقيساء) على يد عمر بن مالك، وصالح أهل (هيت)، وكان يزيد بن أبي سفيان قد أرسل
أخاه معاوية على مقدمته ففتح بناء على أوامر أبي عبيدة المدن الساحلية صور وصيدا
وبيروت وجبيل وعرقة(1)
وطرابلس. وبهذا أصبحت بلاد الشام كلها بيد المسلمين. إلا أن خطأ قد وقع أثناء
الفتح، وهو أن المسلمين لم يكونوا ليمشّطوا البلاد التي يفتحونها تمشيطاً كلياً حيث
يخلونها من كل من يمكن أن يتمرد في المستقبل أو يكون عوناً للروم الذين يفكرون في
استعادة بلاد الشام ويعتقدون أنه لا تزال لهم مراكز قوة فيها، إذ أن المسلمين كما
رأينا قد بدؤوا بالمناطق الداخلية التي هي مجال حركتهم، وعلى صلة بالمدينة المنورة
قاعدة الحكم الإِسلامي، بناءً على أوامر القيادة العامة، وحاولوا الابتعاد عن
السواحل التي كانت للروم فيها قواعد بحرية، الأسطول الرومي يجوب تلك السواحل على
حين لم يكن للمسلمين بعد أية قوة بحرية، فهم بالدرجة الأولى أبناء داخل وصحارى
ولربما كان أكثرهم لم ير البحر بعد، ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه. وكذلك
فقد تركوا الجزر الجبلية والتفوا حولها ظناً منهم أن أولئك السكان الذين كانوا على
درجة من القلة لا تمكنهم من عمل شيء، لذا فإنهم ينزلون على حكم المسلمين راضين أو
كارهين إضافة إلى فقر تلك الجهات هذا ويزيد ذلك وعورة تلك الأماكن وصعوبة مسالكها،
وهذه الخطيئة نفسها تكررت في الأندلس، فكان من تلك الجزر الجبلية البلاء العظيم
الذي أطاح بالمسلمين من الأندلس بعد مدة طويلة من الزمن، والذي لا نزال نذوق منه
الويلات في بلاد الشام حتى الآن، إذ كان سكان الجبال عوناً للروم ودعماً لهم كلما
ظهر الروم على الشواطئ الشامية، وهذا ما كان يستشعره الروم من أن لهم قوة تعتصم في
المناطق الجبلية كما دعت الحاجة، كما أن قوة أخرى كانت لهم، وهي أن الروم عندما
اجلوا عن تلك البلاد الشامية رحلت معهم بعض القبائل العربية المتنصِّرة الحليفة لهم
والمنتصّرة من غسان وتنوخ واياد ولخم وجذام وعاملة وكندة وقيس وكنانة ظناً من هذه
القبائل أن الروم لا يمكنهم أن يتركوا الفاتحين الجدد في البلاد الشامية، وكان لهذه
القبائل مراكزها وأنصارها في المنطقة، كل هذا كان يشجع الروم على التفكير في محاولة
استرجاع البلاد، وقد تمكن الروم فعلاً من استعادة بعض السواحل اللبنانية، ولكنهم لم
يلبثوا أن طردوا منها. ولعل من الأخطاء التي وقعت آنذاك الاستعانة بالجراجمة، وهم
سكان منطقة الجرجومة وهي مدينة تقع في جبل الأمانوس (اللكام) شمال إنطاكية، وقد
كانت لهم دولة مركزها مرعش، ويعتقد أنهم من بقايا الحثيين. وعندما صالح أبو عبيدة
بن الجراح أهل إنطاكية همّ الجراجمة بالانتقال إلى بلاد الروم خوفاً على أنفسهم،
إلا أن المسلمين لم يأبهوا بهم آنذاك، ولكن إنطاكية لم تلبث أن نقضت العهد، واضطر
المسلمون إلى فتحها ثانية، وعين أبو عبيدة عليها (حبيب بن مسلمة الفهري) الذي استعد
لغزو جرجومة، فاضطر أهلها
______________________________
(1) عرقة
: مدينة كانت تقع إلى القرب من طرابلس.
لطلب
الصلح، وكانوا يساعدون المسلمين أحياناً عندما يرون فيهم القوة، ولكنهم إن وجدوا في
الروم قوة كاتبوهم على أن ينقضّوا على المسلمين، وهذا ما كان يشجع الروم، ويُبقي
عندهم الأمل في العودة إلى بلاد الشام، ولربما كان المسلمون بحاجة إلى الجند آنذاك،
وقد وجدوا في الجراجمة عنصراً محارباً ودعماً عسكرياً فاستفادوا منهم، إلا أنه لا
يؤمن لهم ولا لعهودهم ما دامو لا يدينون دين الحق، ولا ينظرون إلا إلى مصالحهم،
وهذا ما كان يجعلهم يقفون بجانب الروم أحياناً وبجانب المسلمين مرة أخرى، ثم توزعوا
في المناطق الجبلية الغربية عوناً للروم، وبقي لهم خطر على البلاد ولأحفادهم الذين
اعتقدوا عقائد غريبة حتى الآن.
فتح
مصر : لما
انتهى فتح المسلمين لبلاد الشام، وانتهى عمرو بن العاص من فتح فلسطين، استأذن عمرو
بن العاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في السير إلى مصر للفتح، فوافق عمر وسيّره
إليها، ثم أمده بالزبير بن العوام ومعه بسر ابن أرطأة وخارجة بن حذافة، وعمير بن
وهب الجمحي، فالتقيا عند باب مصر، ولقيهم أبو مريم ومعه الأسقف أبو مريام وقد بعثه
المقوقس من الإسكندرية، فدعاهم عمرو بن العاص إلى الإِسلام أو الجزية أو القتال،
وأمهلهم ثلاثة أيام فطلبوا منه أن يزيد المدة فزادها لهم يوماً واحداً، ثم نشب
القتال، فهزم أهل مصر، وقتل منهم عدد كبير، منهم الأرطبون الذي فر من بلاد الشام
إلى مصر، والذي أجبر أهل مصر على المقاومة، وحاصر المسلمون عين شمس، وارتقى الزبير
بن العوام السور، فلما أحس السكان بذلك انطلقوا باتجاه عمرو على الباب الآخر، إلا
أن الزبير كان قد اخترق البلد عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو، فصالحوا عمراً
وأمضى الزبير الصلح، وقبل أهل مصر كلهم الصلح، إذ كان قد وجه عبد الله بن حذافة إلى
عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل صلح
الفسطاط.
ثم
أرسل عمرو جيشاً إلى الإسكندرية حيث يقيم المقوقس، وحاصر الجيش المدينة، واضطر
المقوقس إلى أن يصالح المسلمين على أداء الجزية واستخلف عمرو بن العاص عليها عبد
الله بن حذافة. وانشئت مدينة الفسطاط مكان خيمة عمرو حيث بني المسجد الذي ينسب إليه
الآن. وأقيمت البيوت حوله.
وأرسل
عمرو قوة إلى الصعيد بإمرة عبد الله سعد بن أبي سرح بناءً على أوامر الخليفة
ففتحها، وكان الوالي عليها كما أرسل خارجة بن حذافة إلى الفيوم وما حولها ففتحها
وصالح أهلها، وأرسل عمير بن وهب الجمحي إلى دمياط وتنيس وما حولهما فصالح أهل تلك
الجهات.
ثم
سار عمرو بن العاص إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة ابن نافع ففتح
(زويلة) واتجه نحو بلاد النوبة، ثم انطلق عمرو إلى طرابلس الغرب ففتحها بعد حصار
دامشهر، كما فتح (صبراته) و (شروس) ومنعه عمر بن الخطاب أن يتقدم أكثر من ذلك إلى
جهة الغرب.
2- الجبهة
الشرقية : كان
الخلاف على الحكم قوياً في الدولة الفارسية الفرس كما كان الحكام على خلاف فيما
بينهم، فلما غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام شعر الفرس بقلة من بقي من جند
المسلمين هناك، فأرادوا النيل منهم وطردهم من أرض العراق، فأرسل شهريار ملك الفرس
جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لمحاربة جيش المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة
الشيباني، إلا أن الفرس قد هزموا هزيمة منكرة أيضاً.
طلب
المثنى بن حارثة المدد من المدينة، إلا أن أخبار الصديق قد تأخرت عليه لانشغاله
بقتال الشام الأمر الذي جعل المثنى يسير بنفسه إلى المدينة وقد خلّف وراءه على
المسلمين بشير بن الخصاصية، فلما وصل إلى قاعدة الحكم وجد أبا بكر في آخر عهده وقد
استخلف عمر من بعده. فلما رأى أبو بكر المثنى قال لعمر : إذا أنا مت فلا تمسين حتى
تندب الناس لحرب أهل العراق مع المثنى، وإذا فتح الله على أمرائنا بالشام فاردد
أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أعلم بحربه. فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين إلى
الجهاد في أرض العراق، وأمر على المجاهدين أبا عبيد بن مسعود الثقفي حيث كان أول من
لبى النداء ولم يكن من الصحابة، مع العلم أن عمر لم يكن ليولي إلا من كان صحابياً،
وعندما سئل في هذا الأمر أجاب : إنما أؤمر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس
بنصرة هذا الدين